الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي
أحدهما: لا يصح البيع؛ لأنه باع الثمرة والزرع قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع، فلم يصح البيع، كما لو باع ذلك من غير مالك النخل والأرض. والثاني: يصح البيع؛ لأنهما يحصلان لواحد، فهو كما لو اشتراهما دفعةً واحدةً.
أحدهما: لا يصح، وهو ظاهر النص، كما لو ابتدأ شراءها. فعلى هذا: إذا اشترط التبقية.. بطل البيع. والثاني: يصح البيع؛ لأن ذلك ليس بابتياع، وإنما هو استبقاء لها على ملكه، فلم يفتقر إلى شرط القطع. فعلى هذا: إذا شرط التبقية فيها إلى وقت جذاذها.. صحّ البيع؛ لأن هذا من مقتضى العقد.
وقال القاضي أبو الطيب: بل الصحيح ما علل به ابن الحداد، وقد نص الشافعي على هذه العلة، فقال: (لو كان بين رجلين زرعٌ، فصالحه أحدهما على نصف الزرع.. لم يجز من قبل أنه لا يجوز أن يقسم الزرع أخضر، لا يجبر شريكه على أن يقطع منه شيئًا). قال القاضي: وإذا باعه نصف ثمرة أو نصف زرع قبل بدو الصلاح بشرط القطع، فإن قلنا: إن القسمة بيع.. لم يصح هذا البيع؛ لأنه لا تصح قسمته، وإذا لم تصح قسمته.. لم يتأت قطع نصفه. وإن قلنا: إن القسمة تمييز الحقين.. صح البيع؛ لأنه يمكن قطعه كأن يقاسمه في الثمرة أو الزرع، فإذا تميز حقه.. قطعه، فإن قلنا: لا تصح قسمة الثمرة، فباعه نصف الثمرة أو نصف الزرع بشرط أن يقطع الجميع.. لم يصح البيع؛ لأن البائع لا يجبر على قطع ما لم يبع، فكان هذا الشرط ينافي مقتضى العقد، فأبطله.
وعند أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - يلزم المشتري نقله في الحال، كما قال فيمن باع نخلاً وعليه ثمرة مؤبرة. وإن باعه بشرط التبقية إلى وقت الجذاذ.. صح البيع عندنا، وبه قال محمد. وقال أبو حنيفة، وأبو يوسف: (لا يصح). دليلنا: أن نقل المبيع لا يجب إلا على ما جرت العادة بنقله، ولم تجر العادة بنقل الثمرة والزرع إلا بعد وقت الجذاذ فيه، فاقتضى الإطلاق ذلك، وكان شرط التبقية بيانًا لما يقتضيه العقد، فلم يمنع صحة البيع له. إذا ثبت: أن المشتري لا يلزمه نقل ثمرته، ولا زرعه إلا وقت الجذاذ فيه، إما بالإطلاق، أو بشرط التبقية.. فحكمه حكم من باع نخلاً وعليها ثمرةٌ مؤبرة، فيلزمه أن يأخذ ذلك في الحال التي يلزم البائع أخذ ثمرته. فإن احتاجت هذه الثمرة أو الزرع إلى سقي.. وجب على البائع أجرة السقي؛ لأنه يجب عليه التسليم في حال الجذاذ والحصاد، وذلك لا يحصل إلا بالسقي، فلزمه ذلك.
وقال أحمد في أصح الروايتين عنه: (يبطل البيع، وتعود الثمرة بزيادتها إلى البائع). دليلنا: أن المبيع بحاله، وإنما طرأت عليه زيادة، والزيادة لا تبطل العقد، كما لو اشترى عبدًا صغيرًا، فكبر، أو هزيلا، فسمن. وإن باع ثمرة بعد بدو صلاحها وما يحدث بعد ذلك من الثمرة.. لم يصح البيع في الموجودة ولا في المعدومة. وقال مالك: (يصح في الجميع). دليلنا: أن هذا غرر، فلم يصح، كما لو باعه المعدومة منفردة.
دليلنا: ما «روى أنسٌ أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع الثمار حتى تُزهي). قيل: وما تُزهي؟ قال: تحمر» وأما قول ابن عمر: فإنما بين بذلك وقت بدو الصلاح. إذا ثبت هذا: فإن كانت الثمرة رُطَبًا.. فبدو الصلاح فيها أن تصفر أو تحمر؛ وإن كان عنبا أسود.. فبدو صلاحه أن يسود، وإن كان أبيض.. فبأن يتموّه، وهو أن تبدو فيه الحلاوة، ويصفر لونه، وإن كان مما لا يتلون، مثل: التفاح.. فبأن يحلو، ويطيب أكله. قال الشافعي: (وللخربز ـ وهو البطيخ ـ نضج كنضج الرطب، فإذا رأى ذلك.. حل بيع خربزه). قال: (والقثاء يؤكل صغارًا طيِّبا، فبدو صلاحه أن يتناهى عظمه أو عظم بعضه). فاعترض ابن داود على الشافعي، وقال: علَّمنا الشافعي: (أن القثاء يؤكل صغارًا)، وذلك يدرك بالمشاهدات، وقوله: (إنه طيب) يدل على: أنه كان يحب القثاء. قال أصحابنا: فالجواب: أن الشافعي لم يرد هذا، وإنما أراد أن يبين بهذا أن كل ثمرة في الدنيا إذا طاب أكلها.. فقد بدا صلاحها، إلا القثاء، فإنه يؤكل صغارًا طيِّبًا، وليس ذلك بدو صلاحه، وإنما يشترط كبره بحيث يوجد في العادة ويؤكل، ويبلغ إلى الحد الذي لو زاد عليه.. لفسد. والدليل على ما ذكرناه: ما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع العنب حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد». وروي عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أنه نهى عن بيع الثمرة حتى تُزهيَ). قيل: وما تُزهي؟ قال: «تصفر». فنص على العنب والرطب والحب، وقسنا على ذلك غيرها من الثمار، فإذا وجد بدو الصلاح في بعض نوع من جنس ولو كان بسرة واحدة أو عنبة واحدة.. جاز بيع جميع ما في ذلك الحائط من ذلك النوع تبعا لما بدا فيه الصلاح منه. ولأنا لو قلنا: لا يجوز إلا بيع ما بدا فيه الصلاح من ذلك النوع.. لأدى إلى الضرر بسوء المشاركة، واختلاف الأيدي، وهل يجوز بيع ما لم يبدُ فيه الصلاح من نوع آخر من ذلك الجنس في ذلك الحائط معه؟ فيه وجهان: أحدهما: يجوز؛ لأن الأنواع من جنس يضم بعضها إلى بعض في إكمال النصاب في الزكاة، فكذلك في البيع. والثاني: لا يجوز؛ لأن النوعين يتباعد إدراكهما، بخلاف النوع الواحد، وقد نص الشافعي في " البويطي ": (إذا كان أحدهما صيفيًّا والآخر شتويًّا.. لا يتبع أحدهما الآخر). فكذلك هذا مثله. وإن أفرد ما لم يبد فيه الصلاح من ذلك الجنس في ذلك الحائط بالبيع من غير شرط القطع.. فهل يصح؟ فيه وجهان، ذكرناهما في التأبير. ولا يجوز أن يبيع ما لم يبد فيه الصلاح من ذلك الجنس في حائط آخر، ولا ما لم يبد فيه الصلاح من جنس آخر في ذلك الحائط. هذا مذهبنا، وبه قال أحمد. وقال الليث: (إذا بدا الصلاح في بعض الثمار.. كان بدوًّا للصلاح في جميع الثمار). وقال مالك: (إذا بدا الصلاح في جنس.. كان ذلك بدوًّا للصلاح في ذلك الجنس كله في ذلك البلد، فيجوز بيعه). دليلنا على الليث: ما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن بيع العنب حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد». فاعتبر كل واحد بنفسه. وعلى مالك: أنه نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، وإذا باع ثمرة البستان الذي لم يبد فيه الصلاح.. فقد باع الثمرة قبل بدو صلاحها. ولأنا إنما جعلنا بدو الصلاح في بعض الجنس في حائط صلاحًا لجميع ذلك الجنس في ذلك الحائط؛ لئلا يؤدي إلى الضرر بسوء المشاركة، واختلاف الأيدي، وهذا المعنى لا يوجد في بستانين، فلم يصح.
أحدهما: أن البيع ينفسخ؛ لأنه قد تعذر القبض المستحق بالعقد، فانفسخ البيع، كما لو اشترى عبدًا، فمات قبل القبض. والثاني: لا ينفسخ البيع، بل يقال للبائع: أتسمح بترك ثمرتك للمشتري؟ فإن سمح.. أُجبر المشتري على قبوله، وإن لم يسمح.. فسخ العقد بينهما؛ لأن المبيع باق، وإنما انضاف إليه ما لا يتميز منه، فلم ينفسخ العقد، كما لو اشترى عبدًا صغيرًا، فكبر، أو هزيلاً، فسمن. وإن اشترى من رجل طعامًا، فاختلط بطعام للبائع، ولم يتميز، فإن كان بعد قبض الطعام.. لم يبطل البيع، قولاً واحدًا؛ لأن العقد قد انبرم بالقبض، بل يكون القول قول من الطعام بيده مع يمينه في قدر حق صاحبه منه. وإن كان ذلك قبل أن يقبض المشتري طعامه.. ففيه قولان، كالمسألة قبلها. وأمّا الثمرة: فلا فرق فيها بين أن يقبضها المشتري، أو لا يقبضها. وقال المزني: بل تكون الثمرة كالطعام، ففرق فيه بين أن يختلط قبل القبض أو بعده، كما قلنا في الطعام. وهذا غلط، لأن المشتري إذا قبض الطعام.. لم يبق بينه وبين البائع علقة، فإذا اختلط المبيع بغيره.. لم يؤثر في البيع، وليس كذلك الثمرة على الشجر، فإن المشتري وإن قبضها، إلا أن العُلْقَةَ لا تنقطع بينهما؛ لأن على البائع سقيها، ويثبت للمشتري الخيار إذا أصابها العطش، وإذا تلفت.. كانت من ضمان البائع في أحد القولين. وإن اشترى رجل من آخر شجرة عليها ثمرة للبائع، فلم يأخذ البائع ثمرته حتى حدث فيها حمل ثمرة أخرى، واختلطا، ولم يتميزا.. ففيه طريقان: الطريق الأول قال عامة أصحابنا: هي على قولين: أحدهما: ينفسخ البيع. والثاني: لا ينفسخ، بل يقال للبائع: أتسمح بترك ثمرتك للمشتري؟ فإن سمح.. أُجبر المشتري على قبولها، وإن لم يسمح.. قيل للمشتري: أتسمح بترك ثمرتك الحادثة للبائع؟ فإن سمح.. أجبر البائع على قبوله، وإن لم يسمح.. فُسخ العقد بينهما. والطريق الثاني قال أبو علي بن خيران، وأبو علي الطبري: لا ينفسخ البيع، قولاً واحدًا، بل يقال لهما: إن سمح أحدكما بترك حقه.. أقر البيع، وإن لم يسمح واحدٌ منكما.. فسخ البيع؛ لأن المبيع هو الشجر، ولم يختلط بغيره، وإنما اختلطت الثمرة، فلم ينفسخ البيع في الشجرة، كما لو اشترى دارًا وفيها طعامٌ للبائع وطعام للمشتري، فاختلط أحد الطعامين بالآخر.. فإن البيع لا ينفسخ في الدار، فكذلك هذا مثله. والمنصوص للشافعي هي الطريقة الأولى؛ لأن المقصود بالشجرة هو الثمرة، بخلاف الدار. وإن اشترى جِزَّةً من القصب بشرط القطع، فلم يأخذها المشتري حتى طالت.. فإن الزيادة تكون للبائع، وما الحكم في البيع؟ فيه طريقان: أولهمامن أصحابنا من قال: لا ينفسخ البيع، قولاً واحدًا، بل يقال للبائع: إن سمحت بترك حقك للمشتري.. أُجبر المشتري على قبوله، وأُقر العقد، وإن لم تسمح.. فسخ البيع؛ لأن المبيع لم يختلط بغيره، وإنما زاد، فهو كما لو باعه عبدًا صغيرًا، فكبر. والثاني: منهم من قال: بلى هي على قولين: أحدهما: ينفسخ البيع. والثاني: لا ينفسخ، بل يقال للبائع: إن سمحت بترك حقك.. أقر عقد البيع، وإن لم تسمح.. فسخ. وهذه الطريقة أصح؛ لأن زيادة العبد يجبر البائع على تسليمها، وهاهنا لا يجبر.
وقال الربيع: فيه قول آخر: أن البيع لا يبطل. ولعله أخذ ذلك ممن باع جزَّةً من الرطبة، فلم يأخذها حتى طالت.. فإنها على قولين: أحدهما: ينفسخ البيع. والثاني: لا ينفسخ، بل يقال للبائع: إن سمحت بترك حقك.. أقر البيع. فأخذه من هذا القول؛ لأنه يعلم أن الرطبة تطول قبل الجز. والصحيح: أن البيع باطل، قولاً واحدًا؛ لأنه باع ما لا يقدر على تسليمه؛ لأن العادة في الثمار أنها لا تؤخذ إلا بعد تكامل الصلاح فيها، بخلاف الجزة من الرُّطْبة، فإنها تجز في الحال، ولا تختلط بغيرها.
وإن كان يابسين.. لم يجز، وجهًا واحدًا. وقال مالك، وأبو حنيفة: (يجوز بيعهما في قشرتهما العليا بكل حال). دليلنا: أنّ المقصود مستور بما لا يدخر فيه.. فلم يصح بيعه فيه، كما لو باع شاةً مذبوحةً قبل السلخ. وبالله التوفيق.
ويسمى أيضا: الحفل، وهو مأخوذ من الجمع أيضًا. يقال: فلان احتفل مالا، أي: جمعه، ومنه يقال: المحفل؛ لأنه مجتمع الناس. إذا ثبت هذا: فإن اشترى الرجل ناقةً أو شاةً أو بقرةً مصراةً، ولم يعلم أنها مصراة، ثم علم أنها مصراة.. ثبت له الخيار بين الإمساك والرد. هذا مذهبنا، وبه قال من الصحابة: ابن مسعود، وابن عمر، وأبو هريرة، وأنس، ومن الفقهاء: مالك، والليث، وابن أبي ليلى، وأبو يوسف، وزفر. وقال أبو حنيفة، ومحمد: (ليس ذلك بعيب، ولا يثبت له الرد لأجله). وقال داود: (يثبت له الرد في الناقة والشاة، ولا يثبت له الرد في البقرة). دليلنا: ما روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك.. فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها ثلاثًا، فإن رضيها.. أمسكها، وإن سخطها.. ردها وصاعًا من تمر». وروى ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من ابتاع محفلة.. فهو بالخيار ثلاثة أيام، فإن ردها.. ردَّ معها مثل أو مثلَيْ لبنها قمحًا». وهذا لفظ يجمع الناقة والشاة والبقرة. ولأن التصرية تدليس بما يختلف به الثمن، فثبت لأجلها الرد، كما لو اشترى جارية قد سود شعرها.. فبان أنه كان أشمط. وإن اتفق أن الشاة لم تحلب يومين أو ثلاثا، فاجتمع في ضرعها لبنٌ من غير قصد إلى التصرية.. فهل يكون ذلك عيبًا يثبت لأجله الرد للمشتري؟ فيه وجهان، حكاهما الشاشي. وأما الكلام في زمان الخيار: فقد روي في الخبرين: «أنه بالخيار ثلاثة أيام». واختلف أصحابنا في ذلك: فقال أبو إسحاق: إنما قدر خيار التصرية بالثلاث؛ لأنه لا يمكن معرفة التصرية بما دون الثلاث؛ لأنه إذا حلبها في اليوم الأول.. يجد لبنها كثيرًا، فيظن أنه لبن عادة، ويجوز أن يكون لأجل التصرية، فإذا حلبها في اليوم الثاني، فكان أنقص.. يجوز أن يكون هذا لأجل التصرية، ويجوز أن يكون لاختلاف الأيدي والمكان والعلف، فإن اللبن يختلف لأجل ذلك، فإذا حلبها في اليوم الثالث.. زالت الريبة؛ لأنه إن كان لبنها مثل اللبن في اليوم الأول.. علم أن نقصانه في اليوم الثاني إنما كان لاختلاف اليد أو المكان أو العلف، وأنه لم يكن لعيب التصرية، وإن كان لبنها مثل لبن اليوم الثاني.. علم أن النقصان في الثاني والثالث لأجل التصرية، فإذا مضت الثلاث.. استبانت التصرية، وثبت له الخيار على الفور. فأبو إسحاق يحيل معرفة التصرية والاطلاع عليها من جهة التجربة قبل الثلاث. وقال أبو علي بن أبي هريرة: الثلاث المذكورة في الخبر إنما يثبت له الخيار فيها بالشرط، فمتى شرط خيار الثلاث في البيع، فوجدها مصراة.. ثبت له الخيار في الثلاث، أي وقت شاء منها؛ للخبر. وأما إذا لم يشترط خيار الثلاث، وعلم أنها مصراة.. ثبت له الخيار على الفور؛ لأنه خيار ثبت لنقص، فكان على الفور، كسائر العيوب. فهذا القائل لا يحيل اطلاعه على عيب التصرية قبل الثلاث. وقال القاضي أبو حامدٍ: إذا علم أنها مصراة قبل الثلاث.. فله الخيار إلى تمام الثلاث؛ لظاهر الخبر. وقد نص الشافعي على هذا في " اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى ". وإن اشترى مصرَّاة مع العلم أنها مصراة، بأن أعلمه البائع.. فهل للمشتري الخيار؟ فيه وجهان: أحدهما: لا خيار له؛ لأن البائع أطلعه على العيب، فلم يثبت له الخيار، كما لو باعه سلعة معيبة وأعلمه بعيبها. والثاني: يثبت له الخيار؛ لأن العيب لا يتحققه؛ لأنه يجوز أن يكون انتفاخ الضرع وازدياد اللبن لأجل التصرية، ويجوز أن يكون لا لأجل التصرية، وإنما الزيادة من قبل العلف، ولعله يدوم ولا يتبين له ذلك إلا فيما بعد، فيثبت له الخيار. قال الشيخ أبو حامد: وهذان الوجهان مأخوذان من رجل تزوج امرأةً، فوجدته عِنِّينًا، ففسخت النكاح، ثم تزوج بها ثانيًا فوجدته عنِّينًا، فهل يجوز لها فسخ النكاح لأجل العنة؟ فيه قولان: أحدهما قال في القديم: (لا خيار لها؛ لأنها قد تزوجته مع العلم بعنته). والثاني: قال في الجديد: (لها الخيار؛ لأنه قد يكون عنينا في نكاح دون نكاح). فكان لها الخيار؛ لأنها لم تتحقق عنته في النكاح الثاني. وإن وجدها مصراة، فدام ذلك اللبن، ولم ينقص.. فهل له الخيار؟ فيه وجهان: أحدهما: يثبت له الخيار؛ لأن التدليس كان موجودًا حال العقد، فثبت له الخيار، ولم يسقط بعد ذلك بغير رضاه. والثاني: لا خيار له؛ لأن الخيار إنما يثبت للنقصان، ولا نقص عليه مع دوام اللبن. قال الشيخ أبو حامد: وهذان الوجهان مأخوذان من القولين في الأمة، إذا أعتقت وهي تحت عبد، فقبل أن يفسخ النكاح أعتق العبد: أحدهما: يثبت لها الخيار اعتبارًا بالابتداء. والثاني: لا خيار لها؛ لأنه لا نقص عليها في الانتهاء. |